جون ليفرمور المتخصص في التنقيب عن الذهب

أولاً :

وقد أكد فيه اعتقاده أن فتحات الانكشاف (النوافذ) في الطبقة العليا من الصخر الأقدم عهدا وفرت مدخلا إلى مواضع تم النفاذ عبرها بواسطة قنوات سمحت بارتفاع الصخور البركانية وغيرها من السوائل الحاملة للفلز والمرجح أن تلك المواضع تفضي إلى أعماق سحيقة داخل القشرة... وعند التنقيب داخل النوافذ ينبغي بذل جهود استثنائية لاكتشاف الأجزاء السفلية». هذا يعني احفر داخل النوافذ، واحفر عميقا. وتجلت أمام أعين روبرتس حالة لم يلحظها سابقا. إذ وضع فرضية قامت على ما المعرفة المتوافرة لديه، وذلك على النحو الذي يخمن به الفلكي وجود جسم خارج دائرة الرؤية. فاستطاع أن يتبين أن الذهب الدقيق (غير المشاهد بالعين المجردة) كان موجودا في كتل الحجر الجيري واستطاع أن يتبين أن الحجر الجيري كان جزءا من تشكيل جيولوجي يمتد عبر المنطقة. وشكل من هذه المشاهدات الصورة الذهنية المتخيلة لحقل الذهب المكون من جزيئات غير مرئية حبست أسفل طبقة الطفال الأقدم كانت الطريقة الوحيدة لاختبار هذه النظرية هي الحفر في الحجر الجيري المكشوف عند النوافذ وبصفته جيولوجيا حكوميا لم يكن الحفر من اختصاصه، بل كان يتعين عليه إقناع شخص ما بتنفيذ بأعمال الحفر.


ثانياً :

 كان الرجل الذي عثر عليه روبرتس لتنفيذ أعمال الحفر) شخصا مغامرا محبا للوحدة والعزلة - تماما مثل روبرتس الذي أحب صمت الجبال. كانت نشأته تختلف تماما عن نشأة روبرتس: فقد ولد لعائلة من كبرى العائلات في أمريكا، وخلف وراء ظهره حياة مرفهة عند أعلى مراتب السلم الاجتماعي بحثا عن حياة العزلة. ولسنوات عدة، ارتاد هو وروبرتس، ولم يكن أي منهما يعرف الآخر، الجبال نفسها للاستشكاف وفي الفترة نفسها بحثا عن الذهب نفسه. ونشر بحث روبرتس عن النوافذ في العام 1960، وفي العام التالي كان يتحدث أمام مجموعة من الجيولوجيين في اجتماع عُقد في أحد فنادق إيلي Ely غير بعيد عن يوريكا. ولم يحفل معظم الحاضرين من علماء الجيولوجيا النفطية بروبرتس كثيرا جاءت كلمته في آخر اليوم وفور أن فرغ منها كانت قاعة الاجتماعات قد خلت من الحاضرين الذين توجهوا مباشرة إلى المشرب ( البار). لكن رجلا واحدا مكانه (21). لم يبرح كان جون ليفرمور John Livermore جيولوجيا متخصصا في التنقيب عن الذهب، طويل القامة هزيل البنية، يبلغ طوله ست أقدام وخمس بوصات، وكان قد قرأ بحث روبرتس وذهل به. لقد سبق له في فترات متقطعة في خمسينيات القرن العشرين أن عمل في استكشاف الجبال بحثا عن ذلك الضرب نفسه من جيوب الذهب الذي تناوله روبرتس بالوصف وفي ذلك البحث المقتضب عن مخطط تركز المناجم، قرأ عن مواضع التنقيب.


ثالثاً :

 *** ترعرع جون سيلي ليفرمور John Sealy Livermore(22) في سان فرانسيسكو في عزبة محاطة بأشجار السكوية (*) الحراجية على التلة الروسية Russian Hill. يظهر اسمه وأسماء إخوته على نافذة زجاجية ملونة أعلى الجناج الجنوبي لكاتدرائية المدينة المعروفة بكاتدرائية جريس Grace Cathedral وقد استمد جبل ليفرمور الواقع على جزيرة أنجل Angel Island في خليج سان فرانسيسكو، اسمه من اسم والدة ليفرمور كارولين وكانت من الناشطات في مجال المحافظة على البيئة، وقد بذلت جهودا للمحافظة على ذلك الجبل. واعتادت العائلة قضاء فصول الصيف في مونتيسول، وهي مزرعة مساحتها 7 آلاف فدان وتقع في التلال شمال نابا Napa وكانت من أملاك عائلة ليفرمور منذ العام 1880 لقد عاش ليفرمور «طفولة مثالية تماما»، بيد أنه لم يستهوه مستوى الحياة التي كانت تعد بها، أي المكانة الاجتماعية الرفيعة. وبفضل شهادة علم الجيولوجيا التي نالها من جامعة ستانفورد، أجاب داعي حياة الرحل وصار منقبا عن الذهب. بدأ بحث ليفرمور عن الذهب الخفي في العام 1949 في منجم ستاندارد Standard mine)، وهو منجم الذهب الواقع شمال لوفلوك Lovelock، بنيفادا. أغلق هذا المنجم زمن الحرب العالمية الثانية. وسعى مالكوه إلى إعادة تشغيله من جديد، لكن ذلك كان يتطلب إيجاد مصدر جديد للفلز. لقد أقيم المنجم على عرق فلزي (()) ولو كانت الصخور الحاضنة قد تشققت وتفتتت كما جال في ذهن ليفرمور، أو لو كانت قمة تدخلات (**) من الذهب متكررة، لكانت جزيئات الذهب نبذت خارجا إلى الصخر المحيط في هيئة ذهب متدني الجودة (فلز منخفض التركيز). وقد عثر ليفرمور على الكثير من هذه الصخور التي تحتوي على الذهب متدني الجودة، بدلا من الصخور ذات المصادر عالية الجودة والأكثر تركزا التي كان ينبغي وجودها هناك أيضا. ويستذكر ليفرمور فيما بعد قائلا: أجرينا بعض أعمال الحفر بالدق (***) ووجدنا بعض الفلز (24)، ملمحا إلى استخدام آلات حفر عريضة القطر. لكن الفلز لم يكن ذا جودة عالية، وكان المنجم مستنفدا في الأصل. كانت جودة الفلز في المنجم متدنية جدا، ولم يكن المنجم يحقق أرباحا .تذكر. ولتحسين جودة هذا الفلز الذي عثرنا عليه كان لا بد من إجراء الكثير من أعمال التعرية [إزالة الصخر غير الحامل للفلزا، ولم يكن ذلك يحقق أرباحا تكفي لمواصلة العمل». وفي بضعة أشهر أغلق المنجم وبات ليفرمور عاطلا عن العمل. 


رابعاً :

وحاول العثور على عمل آخر، وعندما أخفق في ذلك، انصرف إلى عمل يستهويه أكثر من غيره - راح يجوب الأراضي ويعاين الصخور». ومضى ينقب عن الذهب بمفرده مدة سنتين في جبال نيفادا. وقد تعلق بفكرة وجود جيوب الذهب غير المكتشف في ذلك الجزء من الولاية منذ أن طالع بحثا أعده ويليام فاندر بيرج المهندس الذي اصطحب روبرتس إلى منجم جولد إكرز Gold Acres، ومع اضطلاع ليفرمور بالبحث، تساءل ما إن كان الفلز قليل التركيز (متدني الجودة في منجم ستاندارد Standard يمثل ضربا من جيوب الذهب مختلفا وغير معروف سابقا، وليس مجرد ضرب قليل التركيز من جيوب عرق الذهب المألوف. وليتفق ذلك مع النموذج النظري Model المقبول لعرق الذهب، لا بد أن يكون الذهب قد تشكل في الصخور البركانية الصلبة. لكنه خلافا لذلك، كان قد تشكل في الصخور الأقل صلابة مثل الحجر الجيري، إضافة إلى ذلك، كانت حبات الذهب فائقة الصغر بحيث تعذرت رؤيتها بالعين المجردة ولا يمكن اكتشاف وجودها إلا باستخدام المعايرة. لكن إن كان هذا الذهب الخفي ضربا جديدا من جيوب الذهب، فما الذي يفسر وجوده؟ كان ليفرمور في حاجة إلى تخيل عملية تشكل جديدة تسهل حدوث عملية التركز المعدني Mineralization، أي نظرية تفسر وجود الذهب. وعكف على وضع هذه النظرية. لقد تصور ليفرمور أن الذهب ارتفع من دثار الأرض إلى القشرة الأرضية في السائل نفسه الذي أدى إلى تشكل جيوب عرق المعدن العادية (25). ولكن بدلا من أن يترسب خارجا نحو الصخور المكونة لجدران القناة ويتركز هناك تدفق نحو الحجر الجيري المسامي الأكثر هشاشة نسبيا، وأدى في أثناء ذلك إلى إذابة جزء من الصخر لفتح مسارات يتدفق عبرها.


خامساً :

 كانت الصخور في شمال وسط نيفادا متشققة ومتكسرة أصلا بفعل النشاط الزلزالي، مما وفر للسوائل الحمضية الحارة الحاملة للذهب التي تخيلها ليفرمور مسالك أكثر نحو الحجر الجيري. كان يبني تصورات عما سيفترضه روبرتس لاحقا. وفي العام 1952 اتخذ ليفرمور عملا لدى شركة نيومونت للتنقيب Newmont Mining Corporation. لقد عمل منذ ذلك الحين ومدة ست سنوات في مشروعات بأمريكا الجنوبية والمغرب وتركيا. وفي العام 1958 وكان يتعافى من مرض أصابه انتقل إلى العمل المكتبي في مقر الشركة، ومن ثم في نيويورك. وقد وجد ذلك العمل مرهقا، وعاوده التفكير في نيفادا وفي العام 1960، وكان في مهمة عمل في منجم للمعادن الخسيسة (*)، أقنع رئيسه بأن يمنحه متسعا من الوقت للبحث عن الذهب. لقد وصف ليفرمور المشاعر المتضاربة التي لازمته خلال انتقاله غير المحيط الطبيعي الخاوي، ويقول: اعتقدت حقا أني سأعثر على الذهب». هذا الشعور كان مشوبا بالشك. وقد أدرك باعتباره جيولوجيا أن فرص اكتشاف جيوب الذهب بكميات اقتصادية كانت ضئيلة جدا. وصرح للصحافي العامل في صحيفة نيويوركر The New Yorker جون سيبروك John Seabrok بعد ثلاثين عاما تقريبا الذهب دائما - وباعتقادي أكثر من أي معدن آخر. إنك لا تستطيع التكهن به قد تحصل على كميات لا بأس بها من الذهب في عينة من العينات وقد تحدث نفسك بأنك أخيرا في طريقك إلى الذهب، وبأنك كشفت سره. ثم يتبين أنك لم تفعل - فالذهب كان يلاعبك فقط».