مغامرة في بلاد الذهب

 

أولاً :

في تشانج شان ها و فقد كانت أرضية فتحة المنجم تضج بالشاحنات كانت تلك الحركة النشيطة تتناسب مع حجم الشاحنة بمقارنة تلك العربات الضخمة بمثيلاتها في المناجم الغربية، كانت الشاحنات الصينية لا تحمل أكثر من خمسين طنا، ولضمان وجود الفلز في محطات المعالجة اضطروا إلى حشد أعداد كبيرة من الشاحنات أمام المناجم وعندما انطلقنا في رحلتنا إلى محطة المعالجة التقينا طابورا من شاحنات المنجم الصفراء الجديدة تتهادى نحو فتحة المنجم، وقد أشرت لجيانج إلى أنها لا تختلف عن شاحنات المناجم في الأمكنة الأخرى، وكان جوابه: «آه أجل. إنها تبدو مثلها. لكن هذه تعطل في شهر واحد». والأمر ذاته ينطبق على المضخات الصينية. كان لدى جيانج مضخات أمريكية في تشانج شان ها و استمرت في العمل بلا توقف مدة عامين. أما المضخات الصينية فكانت أقل تحملا إلى حد كبير.



ثانياً :

 وإن استخدام مثل هذه المعدات لم يمثل بحد ذاته خللا في خطط الأعمال، بل كان جزءا منها. ففي ضوء انخفاض تكلفة الفولاذ (في الصين) فإن الخيار الأقل تكلفة كان شراء المنتجات المحلية، وعندما كانت تلك المنتجات تعطل كان يُشترى المزيد منها. كانت اليد العاملة أيضا وفيرة ورخيصة. عندما كنت في تشانج شان هاو، كانت قوة العمل التي قوامها ألف عامل تنتج 110 آلاف أوقية من الذهب سنويا. كان العامل يحقق في الأحوال العادية دخلا شهريا قدره 650 دولارا. إن شركة المقاولات القائمة بأعمال التنقيب هي السكك الحديدية الصينية China Railway كبرى الشركات في الصين. كانت الشركة التي اشتهرت بفسادها تستهلك واحدا بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للصين (28) . ويعمل لديها أكثر من مليوني موظف، وتمتلك قوة الشرطة الخاصة بها ونظامها القضائي ومدارسها ومشافيها وأنظمة اتصالها. وهي تمتاز بثقافة الانضباط العسكري التي اكتسبتها من أصول نشأتها عندما كانت شعبة عسكرية في الجيش. وفي المنجم كان عمال شركة السكك الحديدية الصينية يتشاركون حجرات المهاجع بمعدل ثمانية لكل حجرة مكونة من أربعة أسرة، حيث كانوا يتناوبون على الأسرة في أوقات تغيير مناوبات العمل. لقد حافظوا على مقصوراتهم في نظام تام. وهي وقد عملوا ساعات طوالا في ظروف قاسية بعيدا عن بيوتهم وأسرهم. وعندما أبديت ملاحظتي على هذه النقطة، أشار أحد مديري المنجم بالقول: «قمة دائما عاملون غيرهم ينتظرون عند المدخل ليشغلوا مكان من لا يرغب في العمل». لقد عاش جي دي جيانج Xiang سید منجم تشانج شان ها و حياة مرفهة نسبيا. كان ينزل في جناح خاص بآخر القاعة القائمة في جناح الإداريين من مقصورات المعيشة الشبيهة بالفنادق الطرقية (الموتيلات). كانت مساحة غرفة نومه تتجاوز أربعة أضعاف مساحة الحجرات النموذجية الأخرى التي احتلت بقية الجناح. لقد حظي ممثل الشركة الحكومية المتنفذة شركة الذهب الصينية China Gold، والرئيس الإداري للمنجم جيانج، بأمارات التقدير التي لن تخطر ببال رؤساء المناجم الغربيين. كان طاقم العمل في المنجم يهب واقفا لدى دخوله أي حجرة. كان يبدو أن جيانج لا يتوقف عن العمل.

ثالثاً :

 ذهبت لرؤيته ذات ليلة في مكتبه الكائن في الطابق الثاني من مبنى الإدارة. وعند نهاية ممر مظلم، تسرب الضوء إلى القاعة في المكتب الكائن على الزاوية كانت هناك ثلاث أرائك من الجلد البني صفت على شكل صندوق مفتوح مقابل مكتب جيانج المصقول الفاخر. وكان تنين ذهبي بطول ثلاث أقدام تقريبا يزمجر وقد انبثق من قاعدة المكتب. وعلى خريطة معلقة على الجدار، احتلت الصين مركز العالم. وجلس جيانج صغير البنية وقد غاص في كرسيه الجلدي الأسود الكبير، محاطا بسحابة من دخان السجائر - وقد انعزل عن محيطه بحكم المنصب كما كان حاكم الحصن المجاور في الماضي، منفصلا عن المحيطين به بأسوار السلطة والمؤهلات التعليمية والخلفية الاجتماعية. ولد جيانج، أكبر أولاد أبيه أستاذ الأدب الصيني في العام 1958 في ويهاي Weihai وهي مدينة في شاندونج تقع على البحر الأصفر. وكان بعمر التاسعة عشرة في العام 1977 عندما أعاد دينج جياوبينج العمل بنظام امتحانات القبول الجامعي، وفاز جيانج بالقبول في إحدى الجامعات، ووفق الأنظمة السائدة آنذاك، فرض عليه اختيار الجامعة والاختصاص الدراسي. ودرس وفق نظام الكليات (أربع سنوات) في معهد تشانجشن الجيولوجي (*) وتخرج في العام 1982.

وطوال السنوات العشرين اللاحقة أعمل جيانج حفاراته في مواقع التنقيب المحتملة، بدءا من الصين ووصولا إلى منطقة القطب الشمالي. وقد عمل بالتنقيب في مناجم بأونتاريو وأفريقيا الشرقية. وعاد في العام 2002 إلى فانكوفر، حيث كانت عائلته قد استقرت سابقا، ووصل عندما كان توكسيك بوب Toxic Bob على وشك شراء منجم تشانج شانها و واستأجر فريدلاند خدمات جيانج، وشرع جيانج في رحلته ليعاين إمكانية تحويل أكوام الصخور الفلزية متدنية التركيز المتراكمة فوق التلة المنعزلة إلى منجم ذهب. وصل جيانج إلى الموقع المهمل الذي كان يضم بضع أكوام اختبارية وفتحة. لقد حفر لصوص المناجم الموقع برمته كان المورد الطبيعي الذي أراد جيانج تقييمه يتطلب دقة وصبرا، وعزيمة بالتأكيد.



رابعاً : 

 وكانت ثقافة الأعمال السائدة في الإقليم تقوم على السلب والنهب، وكان هذا أيضا واقع الحال في أنحاء الصين الأخرى. لقد استهزاً أثرياء صناعة الفحم (المليونيرات) بفكرة الجيوب متدنية التركيز، وخاصة ذلك الجيب الذي يتطلب تقييما دقيقا جدا. كانوا يفضلون المورد الطبيعي الذي يمكن استخراجه من الأرض بكميات كبيرة، وتحويله إلى مال في الحال. أما الذهب فكان يستغرق استخراجه وقتا طويلا جدا. وحاول المسؤولون الحكوميون المحليون تحقيق الثراء على حساب المنجم عن طريق الابتزاز لقد شقوا الخنادق عبر الطريق الرئيسي وطلبوا رسوما مقابل إصلاحه. يقول جيانج عندما سألته عما فعله لإيجاد حل لذلك: «في الصين أول ما يتعين عليك معرفته هو عدو رب عملك. وبمجرد معرفته لن تكون المشكلة عويصة جدا، لأنك عندئذ ستعلم الجهة التي يتعين على رب العمل الاتصال بها». لقد حلت مكالمة هاتفية شديدة اللهجة واردة من بكين مسألة الطريق السريع. وثقت العديد من القصص قضية الفساد في الصين وإن الثروات الطائلة التي أصابها «الأمراء الصغار» المتحدرون من أصلاب قادة الثورة الصينية معروفة جيدا. لكن عندما يتعلق الأمر بالتنقيب عن الذهب تتحول الصين بكاملها إلى عصابة من قطاع الطرق.



خامساً : 

تعتبر الصين أكثر دول العالم إنتاجا للذهب، ليس لوجود المناجم الكبيرة فيها، بل لوجود أعداد كبيرة جدا من المناجم الصغيرة. ووفق جريج هول Greg Hall، وهو جيولوجي أسترالي ورئيس إداري يعمل في مجال التنقيب عن الذهب، ومدير الشركة مدرجة في السوق المالية تشرف من خلالها شركة الذهب الصينية China Gold على منجم تشانج شان ،هاو يوجد في الصين نحو 11 ألف منجم ذهب مسجل رسميا. في العام 2011 بلغ الإنتاج السنوي الإجمالي لأكبر عشرة مناجم في الصين أقل من خمسين طنا. أما الكمية الباقية وقدرها 270 طنا فكان مصدرها المناجم الأخرى البالغ عددها 10950 منجما معظم هذه المناجم التي تعد بالآلاف صغير الحجم. علاوة على ذلك، ربما يتجاوز عدد هذه المناجم فائقة الصغر الرقم الذي أورده هول. وقد أخبرني جيانج أنه اطلع على وثيقة حكومية في العام 2004، حينما كانت السلطات تحاول القضاء على أعمال التنقيب غير القانونية، قدرت عدد المنقبين عن الذهب من دون ترخيص رسمي في الصين بستين ألفا. قد يتعذر تصديق هذا الرقم لو لم تكن الحكومة نفسها مسؤولة عن خلق تلك الطفرة. في ثمانينيات القرن العشرين، وقبل أن تفتح الصين باب التنقيب أمام الشركات الغربية حاولت الحكومة تحفيز الإنتاج من خلال رفع الرقابة الحكومية عن المناجم الصغيرة (25). كان العديد من صغار المنقبين يعملون في التنقيب عن الذهب الرسوبي Placer Mining في حقول الذهب الصينية، وقد تسببت السياسة الجديدة بفورة الذهب. وهكذا نهب الساعون وراء الذهب الأراضي التي كان يحتمل وجود الذهب فيها في كل أنحاء الصين (20). وتقاطروا بأعداد كبيرة إلى الأصقاع المقفرة مثل إقليم تشينغهاي Qinghai في هضاب التبت، ومنطقة الحكم الذاتي جينجيانج أوجور Xingjiang Uygur أكبر التقسيمات الإدارية للصين: 641 ألف ميل مربع من الصحاري والجبال والجداول حيث يوجد الذهب لم يندفع جميع المنقبين الجدد إلى هذه القفار النائية. ذلك أن البعض منهم انحدر إلى حقول الذهب القريبة من أمكنة عيشهم، وشرعوا بسرقة الفلز من المناجم الموجودة. وظهرت مشكلات أخرى أيضا.