منجم كارلين تريند

 

أولاً :

كان إحساسه صائبا، إذ كتبت له أرليدا بعد عامين من دون سابق إخطار، أنها فسخت الخطبة وترغب برؤية روبرتس مجددا. واصطحبها إلى العشاء وطلب يدها قبل أن ينتقلا إلى طبق الحلويات كان زفافهما سعيدا وحافلا واستمر طويلا. وفي صورة تعود إلى العام 1954 تظهر باسمة تحت أشعة الشمس برفقة أطفالهما الثلاثة أمام العربة المقطورة ذات الاثنتين والأربعين قدما التي كانوا يتخذونها مسكنا لهم ق روبرتس في مهمة وضع الخرائط الجيولوجية ليوريكا كاونتي Eureka County، وأنجز اكتشافه العظيم. وأعد روبرتس الخرائط الجيولوجية صاعدا شمالا عبر سلاسل جبال کورتیز (*) وشوشون وتاسكارورا، وقد وجد أن ذلك الجزء من التضاريس المعروف بدسر ) جبال روبرتس كان يظهر وجود علاقة جيولوجية مستمرة (15) - اندفاع صخور المحيط العميق إلى الأعلى لتغطي الحجر الجيري في منطقة المياه الضحلة. لقد اعتقد أن الدسر كان جزءا من تضاريس المنطقة، وليس مقتصرا على تلك البقعة. وهكذا أماط اللثام عن البنية الجيولوجية الأساسية لما يعرف اليوم بمنجم كارلين تريند لقد قام بخطوة عظيمة في طريق الكشف عن مكامن الذهب، مع أن ثمة خطوة أخرى بالغة الأهمية كانت لاتزال أمامه: أي التحقق من وجودها كان قمة دليل تاريخي بالتأكيد مستمد من أعمال التنقيب عن الذهب الرسوبي التي جرت في مرحلة مبكرة، كما أن منجم ويلو كريك Willow Creek تمخض عن وجود شذرات الذهب (**)). لكن هذه الحالات أو المشاهدات لم تكن دليلا بحد ذاتها على وجود احتياطيات هائلة من الذهب. ومع اقتراب روبرتس من فهم الطبيعة الجيولوجية للدسر، كان قمة رجل آخر يراقب إنتاج الذهب المحلي من كتب، ليخلص إلى أن بعض الذهب كان مصدره فلزا يختلف عن كل الفلزات التي شاهدها. كان هذا الذهب يتميز بخاصية واحدة أنه كان خفيا. ومع ذلك، 4 (16) أنذاك كان ويليام فاندربرج المهندس لدى مكتب المناجم الأمريكي U. Bureau of Mines يجري مسوحا استطلاعية لنيفادا منذ ثلاثينيات القرن العشرين.


ثانياً :

 إذ أجرى زيارات منتظمة للمناجم وقدم وصفا لمكامن الذهب فيها. وقد لاحظ أن الجزيئات في بعض مناجم الذهب كانت دقيقة جدا بحيث تعذر استخلاصها بعملية شطف التراب والحصى بالمياه باستعمال الأوعية. كانت المناجم تستخرج الذهب، لكن عندما طبق تقنية الشطف على عينة من الفلز لم يحصل على الذهب وكتب قائلا: «كان من المستحيل التمييز بين الفلز والنفاية من دون استخدام المعايرة (*)، إذ يكون الذهب في تلك الحالة التي يستحيل فيها الحصول على لون واحد [الذهب المشاهد بالعين المجردة باستخدام تقنية الشطف ولا بد أن الذهب المرني (*)(*) كان موجودا في مرحلة ما، وإلا لما جرت أعمال التنقيب. وفي مرحلة ما آنذاك استنفد المنقبون الاحتياطي الأصلي من الفلز، وتبينوا أن محطة كانت لاتزال تنتج ذهبا، حتى بعد أن انتقلوا إلى ما بعد الجيب الاستخراج (**) الأصلي وشرعوا في تلقيم الجهاز صخورا لا تحتوي على الذهب المرئي. وكانوا لايزالون يحصلون على الذهب، ولذلك استمرت أعمال التنقيب. 


ثالثاً :

- ويستذكر روبرتس قائلا: «أراد بيل أن يطلعني على هذا الفلز غير المألوف. واعتراني الفضول، فمضيت معه» (17) ، واصطحب مدير المنجم الذي قصداه - وهو منجم جولد إيكرز Gold acres - روبرتس وفاندر برج إلى منطقة التربة الغنية بالفلز May Dirt وهي المنطقة التي تحتوي على الذهب وشاهد روبرتس منطقة التصدع المألوفة - حيث اندفعت الصخور المحيطية الأقدم فوق الحجر الجيري الأحدث عهدا عند الحافة القارية. وكتب روبرتس: سيدرك كل من يشاهد منطقة التماس في حقل الذهب أن ثمة تباينا عجيبا في اللون بين الصخور المحيطية الغامقة التي تحتوي على السيلكات والصخور الكربونية للرف القاري ) **** ذات اللون الرمادي، الواقعة أسفلها». وعلى خلاف منطقة التصدع الضيقة التي شاهدها روبرتس في منجم ويلو كريك في أثناء زيارته لنيفادا أول مرة عندما كان طالبا في مرحلة الدراسة، كانت منطقة التصدع في منجم جولد إيكرز يتجاوز سمكها، في بعض المواضع مائة قدم. وكانت قحمة «صفيحات» من الحجر الجيري متناثرة في تلك المنطقة - وهي عبارة عن ألواح من الحجر الجيري انفصلت عن الصخر القاري عندما اخترقها الصخر المحيطي. كانت هذه الصفيحات تضم فلز الذهب.

كان ذلك اكتشافا هائلا لروبرتس. فإذا ثبت وجود الذهب في موضع التصدع، وكان هذا الموضع سمة تضاريسية مميزة للإقليم - أي سمة جيولوجية لتلك الناحية من الولاية - فإن وجود الذهب لا يقتصر على تلك الناحية، بل هو جزء من تشكيل جيولوجي يعم المنطقة بكاملها.


رابعاً :
 وكتب روبرتس: «عندما دخلنا وادي ماجي كريك Maggie Creek Canyon وقفت للمرة الأولى على مشهد باهر، حيث كان الشرت (*)) الأسود الواقع في الطبقة العليا متوضعا على الحجر الجيري الرمادي الملطخ بصدأ الحديد في الجانب الشرقي من الوادي (الخانق) (*))... بالنسبة إلي كانت هذه الزيارة تجربة عميقة مؤثرة، لأنها أثبتت أن الدسر كان ظاهرة تضاريسية إقليمية، مما يعني أنه قد يهيمن على (18) تركز المعادن في الإقليم وقد عني روبرتس بـ «الهيمنة» أن الدسر قد يكون سمة تحدد مكان وجود الذهب. ولاحظ أن تلك الرقعة في ماجي كريك كانت مكشوفة للعيان، وتحديدا في الحجر الجيري حيث يحتمل وجود الذهب كان الحجر الجيري مساميا(***) أكثر من الصخور الأقدم عهدا الرابضة أعلاه. لقد تشكل الذهب في دثار الأرض، وهو يرتفع إلى الأعلى عندما يكون في ذوب  حار Hot Solution

. فإذا كان الذهب قد اندفع صاعدا نحو الحجر الجيري المسامي في مرحلة زمنية أعقبت اندفاع الصخور الأقدم والأصلب والأكثر كثافة إلى القمة، فإن الصخور الأقدم، باعتقاد روبرتس، قد تكون علت وغطت الذهب، وأوقفت تدفقه صعودا، وحبسته في الحجر الجيري. ويحدث أحيانا عندما يخترق الذهب الصخر أن يستقر في الصدوع والشقوق فيبرد ويتحول إلى عروق صلبة.

خامساً :

 هذا الضرب من الترسبات (الجيوب) يعرف اصطلاحا بالعرق Lode بید أنه في الترسبات التي تصورها ،روبرتس كان مركب حامضي حامل للذهب قد تدفق نحو الحجر الجيري المسامي، فأذاب الصخر وفتح مسالك لتدفق المزيد من الذهب. كانت الصورة التي تكونت في مخيلة روبرتس عبارة عن ية غنية بالذهب، تغطيها صخور أصلب وأقل نفوذية. لقد حبس الأصلب الذهب داخل الحجر الجيري. وكتب روبرتس: «ازداد حماسي لما تخيلت (19) الطبقات الأغنى بفلز الذهب ولم يذكر روبرتس إن كان ناقش أفكاره مع فاندربيرج، لكن وفقا لألان كوب Alan Coope، وهو جيولوجي وضع كتابا في تاريخ اكتشاف منجم كارلين، تملك فاندربيرج أيضا اعتقاد أن ثمة المزيد من الذهب ينتظر الاكتشاف. كان يعتقد أن المستكشفين سيعثرون على الذهب محصورا بين طبقتي الطفال والحجر الجيري وهو التشكيل الجيولوجي الذي توصل روبرتس إلى أنه السمة المميزة للإقليم. ورأى روبرتس الصورة الأعم. وشاهد ما هو أبعد من منجم الذهب، أي حقل الذهب (*). وأيقن أنه حيثما اكتشف الذهب، كانت الطبقة العليا من الصخر قد تآكلت مفسحة المجال لظهور الطبقة الصخرية الهشة أسفلها. وكما عاينها، لم تكن مناجم ذهب المنطقة متوضعة على قطع منفصلة من الأرض الغنية بالذهب، بل في الرقعة الواسعة نفسها وهي رقعة اكتشفت إذا جاز القول، مصادفة. إذ عثر عمال المناجم (المنقبون) مصادفة على جيوب الذهب الفتحات التي أحدثتها عمليات الحت والتآكل، ومن دون استيعاب الصورة عبر الأكبر للتشكيلات الجيولوجية وتمثلت مهمة روبرتس في وضع الخرائط الجيولوجية ليوريكا كاونتي Eureka County. لقد عاش حياة ريفية هادئة، فكان يخيم مع أسرته في مقطورة داخل مزرعة دين رانش Dean Ranch في وادي كريسنت Crescent Valley قام أبناؤه بأعمال الاستكشاف بالقرب من بلدات مهجورة في حين راح روبرتس ومساعدوه يجوبون منطقة الدسر عبر التلال. وبتعزز قناعته بأن منطقة الدسر كانت بؤرة تركز جيوب الذهب في المنطقة، وفي خضم بحثه عن أنماط جيولوجية تؤكد تصوره، وضع روبرتس خريطة تقريبية بينت جيوب الفلز وفتحات الانكشاف (النوافذ) في منطقة الدسر. وقد تمخض ذلك عن خط واضح كان مرتكزه في اتجاه الشمال الغربي عبر يوريكا كاونتي صاغ روبرتس أفكاره في العام 1960 في بحث من صفحتين ونصف الصفحة بعنوان: مخطط تركز قواطع المناجم في وسط - شمال نيفادا