الحكومة الصينية ومؤتمر التنقيب

 

أولاً :

كانت الحكومة الصينية تأمل أن يساعدها مؤتمر التنقيب المنعقد في داليان على استقطاب رؤوس أموال التنقيب إلى الدولة. وقد جسّد ماك ألينان المال الباحث عن الأرض لغرض التنقيب. يقول: كانت تلك أول سنة يعقد فيها هذا المؤتمر. أراد الصينيون تنظيم أبرز حدث في مجال التنقيب، تشهده آسيا، لكن الحضور كان متواضعا أول الأمر. وجرت مناقشات فنية حول رصيد الصين من المعادن وسياسة الباب المفتوح التي تنتهجها الدولة ولم يكن ثمة إلا اثنان أو ثلاثة من أكشاك التسويق حيث كانت المؤسسات الحكومية المحلية تعرض المشروعات». وقد لفتت إحدى قطع الأراضي انتباه ماك ألينان كانت ملكا لشعبة الموارد المعدنية في إقليم لياونينغ، حيث كان يقيم. يقول: «لقد جاءوا ببحوث حول عدد من المشروعات وكان أحدها مثيرا للفضول. وقد أخذته معي على الفور، وتدارسناه، ثم عدت أدراجي لإلقاء نظرة».



ثانياً :

ك ألينان جوا إلى عاصمة إقليم شينجيانغ وسلك الطريق السريع المار محور شبه جزيرة لياودونغ. كان الطريق من أوائل الطرق الدولية السريعة متعددة المسالك التي استحدثت في الصين، والتي تنتشر اليوم على نطاق واسع. لقد شق هذا الطريق بو جيلاي Bo Xilai عمدة داليان وأحد أسرع سياسيي الصين صعودا. وقد قوّضت الفضيحة مستقبله المهني فيما بعد، وكانت شرارتها اتهامات بالفساد والصراع الداخلي في الحزب الشيوعي، وتورط زوجته المحتمل في اغتيال رجل أعمال بريطاني. لكنه عاد في العام 1999 إلى تصدر واجهة صعود الصين السريع جدا إلى مصاف دول العالم الحديث، وجسّد الطريق السريع فكرة الفرصة الحيوية التجارية التي أراد قادة الصين إظهارها. كانت تضاريس شبه الجزيرة قاسية، لكنها لم تكن جبلية. وقمة سلسلة من الهضاب مسننة الشكل شبه جرداء تمتد إلى خليج بوهاي Bohat Gulf. ووصل ماك ألينان إلى موضع التنقيب المستهدف في مكان يسمى ماولينج Maoling أو كات هيل Cat. Hill. وكانت شعبة الجيولوجيا في الإقليم قد حفرت بعض الآبار . بحثا عن عروق الكوارتز (المرو). يقول ماك ألينان: «كانوا يستخدمون معدات قديمة جدا مثل الحفارات الروسية العملاقة التي تستطيع حفر آبار عمودية بعمق منات الأمتار فقط هذا كل ما هنالك ولم تكن تلك الحفارة قادرة على اكتشاف عروق المعادن التي تميل بدرجة حادة. كانت تلك المعدات عتيقة». وأخذ ماك الينان عينات صخرية من البروزات الصخرية، وكذلك عينات من العروق نفسها والتربة الفاصلة بينها وأرسل العينات إلى الولايات المتحدة لإخضاعها للمعايرة وانتظر النتائج. وعندما وصلت النتائج أثارت دهشته يقول: «لم تكن العروق الرفيعة وحدها غنية بالفلز، بل كانت التربة الفاصلة بينها تحتوي على الذهب أيضا». واعتقد ماك ألينان أن أفضل طريقة لمعالجة جيب الفلز هي التنقيب في الهضبة جميعها عن طريق أعمال الحفر الشاملة باستخدام الحفر المفتوحة، بدلا من محاولة اقتفاء أثر عروق المعدن.



ثالثاً :

 هذه الطريقة ستؤدي إلى الحصول على فلزات ذات تركيز منخفض عموما، ولكن باعتبار انخفاض التكاليف الرأسمالية والتكاليف التشغيلية في الصين، ولأن التوقعات كانت تشير إلى ارتفاع سعر الذهب، فقد كان يُرجَى أن تحقق أعمال التنقيب ربحا شركة لاستغلال الموارد الصينية محل الاهتمام المصلحة الممولين الأمريكيين وشركة ماندورو للتنقيب Mundoro Mining Inc. وأجرى ماك ألينان مفاوضات لإبرام صفقة مع الذراع المؤسسية لشعبة المعادن في إقليم لياونينغ. وفي يوليو أسس الطرفان مشروعا مشتركا لاستغلال ما ولينغ. وبموجب الاتفاق تحصل ماندورو على 79% من الأرباح مقابل تقديم التمويل والإشراف على أعمال التنقيب وتهيئة المشروع لمرحلة الإنتاج. وعملت شركة ماندورو بجد وحماس مدة سنتين وحفرت اثنتين وستين بترا واستخرجت ما يعادل 20 ألف متر من عينات الحفر Drill Core من الهضبة وشقت خنادق على مساحة امتدت 13 ألف متر. وحللت التركيبة الكيميائية للتربة وترجمت الوثائق الصينية المتعلقة بالموقع، وعمقت بعض الحفر. وفي نهاية المطاف حصلت على الدليل الكافي لنشر المعلومات في أوساط صناعة التنقيب عن جيب فلزي يحوي 1.1 مليون أوقية من مورد مستدل عليه» (*) وأكثر من 4 ملايين أوقية بالتخمين الاستدلالي»، أي الدليل القائم على توقعات الوصول إلى مستوى «المورد المستدل عليه عند إجراء المزيد من أعمال الحفر. وفي نوفمبر 2003 طرحت أسهم الشركة للاكتتاب العام وتدبرت جمع 13 مليون دولار (5).



رابعاً :

 كانت ريح نشيطة تهب عبر أروقة صناعة الذهب الصينية. فقد أدت سياسة الباب المفتوح أمام الأجانب إلى توافد شركات التنقيب الصغيرة إلى المناطق الريفية بحثا عن قطع الأرض الصالحة للتنقيب. ومن مواقع التنقيب المستهدفة التي نالها القسط الأكبر من الدعاية المبالغ فيها منجم بوكا Boka ، الواقع في يونان Yunnan) لقد اكتشف القرويون الذهب في الهضاب ونقبت هناك كتيبة الذهب العاملة في الإقليم. ثم تقدمت شركة صغيرة من فانكوفر تدعى ساوثويسترن ریسورسز كورب Southwestern Resources Corp وانتزعت الترخيص والمقصود بالشركة الصغيرة شركة صغيرة الحجم يتركز مجال عملها في الكشف والتنقيب. استحدثت ساوثويسترن ستا وسبعين حفرة وقدرت وجود احتياطي قدره 150 طنا. وفي تراكيز الفلز التي حصلوا عليها كان الجيب يحتوي على خمسة ملايين أوقية. وبدأ القائمون بأعمال التسويق يروجون لمنجم بوكا على أنه أغنى الجيوب بالذهب في الصين وتحدثوا عن فرص تحقيق ثروة طائلة قدرها 40 مليون دولار للاقتصاد المحلي. 





خامساً :

وارتفعت القيمة السوقية لشركة ساوثويسترن بأكثر من ثلاثة أرباع مليار دولار (7). يقول أحد المسؤولين بعد انقضاء سنوات عدة: «المشكلة أنه لا أحد، آنذاك، كان يعلم متى ستكتشف أول قطعة من الذهب» (8). للأسف، كان هناك من يعلم ذلك، وهو الرئيس التنفيذي الكندي لشركة ساوثويسترن كان يعلم أن أول قطعة من الذهب لن تظهر في وقت قريب، لأنه كان يحرف نتائج الحفر. ثم انهار سعر سهم الشركة (9) ، وانتهى الأمر بالرئيس التنفيذي إلى السجن، لكن في خضم فورة الذهب الصينية الجامحة في العام 2003، وبينما كان البلد بأجمعه منفتحا على مصراعيه مثل نسخة شرقية من إقليم يوكون (*) Yukon كانت أنباء اكتشاف بوكا تنعش آمال الجميع. يقول ماك ألينان: «ربما ساعد ذلك فعلا على تحسين أحوالنا المالية». ومن العوامل الأخرى المساعدة أن كل الحفر التي أحدثها ماك الينان كانت تصيب ذهبا ما كان لنا أن نخطئها، كانت لدينا تقاطعات طويلة حيث كانت الحفارة تخترق الصخر الحامل للذهب». وقد عرضت الصفحة الأم في الموقع الإلكتروني لشركة ماندورو صورة شاملة بانورامية للموقع، وإذا كانت لاتزال هناك فإنها تستحق التأمل. تمتد كتلة الفلز عبر طوق حلزوني صغير من الطرقات المحفورة صعودا إلى قمة كات هيل Hill إلى اليسار مباشرة على امتداد الهضاب إلى جهة اليمين، وعلى نحو غير منتظم - دفعة واحدة لمسافة نصف ميل. ويمكن للمرء أن يشاهد أثلام التنقيب التي شقت عبر الأراضي الخضراء. كان سعر الذهب في ارتفاع وكذلك كان سعر سهم شركة ماندورو، وبعد سنتين من أعمال التنقيب المكثفة عادت الشركة إلى السوق طلبا لمزيد من الأموال وتدبرت جمع 25 مليون دولار أخرى (19) كان حملة الأسهم واثقين بالنتائج، وكذلك ماك ألينان. ولا بد أن أرباب التمويل الأمريكيين الداعمين لماندورو كانوا واثقين بها أيضا. ثم حل موعد تجديد الرخصة التجارية، ولم تجدد.

حل موعد التجديد، وانقضى في أول الأمر لم يبد ذلك سببا للقلق. يقول ماك ألينان: «أرسلنا» وفدنا للاستعلام عن سبب عدم حصولنا على الترخيص. وسيقت لنا أجوبة من قبيل: لا شيء في ذلك - فهكذا تسير الأمور في الصين فقط. أو تسير الأمور بوقعها الخاص أو أنهم بطينون دائما، لذلك لا يقلقنا ذلك. ولكن بعد انقضاء الشهور، بدأ القلق يساورنا. ولم يحرك المسؤولون في إقليم لياونينغ ساكنا، لذلك توجهنا إلى بكين». كان قمة ترخيصان يتعين على شركة ماندورو استصدارهما. أولهما رخصة تجارية محلية، أما الآخر فهو رخصة التنقيب. ولمواصلة العمل بأي حال كانت رخصة التنقيب شرطا أساسيا.