استخراج الذهب المعاصر

 

أولاً :

يعتمد استخراج الذهب المعاصر على استخدام عمليات معقدة تستهلك الطاقة والمواد الأولية وتتطلب معرفة متخصصة. لكن المنقبين كانوا يستخرجون الذهب من الفلز طوال قرون خلت من دون مساعدة المهندسين المتخصصين أو توظيف رؤوس أموال كبيرة. وربما تكون أكثر الأساليب شيوعا ما يعرف بطريقة الخلط بالزئبق ( عملية الملغمة). يذيب الزئبق معظم المعادن، ويكون الناتج محاليل تعرف بالملغم Amalgam. ومن أساليب تكوين ملغم الزئبق - الذهب وضع الزئبق في التيارات التموجية للمصوّل وغسل الفلز المهشم في تيار الماء على طول المجرى التموجي وتعتبر تموجات المجرى أخاديد عرضية قائمة على امتداد اتجاه التيار، مثل ثنيات البنطال إذ مع تدفق الفلز فوقها «تلتحم (تتملغم) » جزيئات الذهب بالزئبق وتلتصق بها.





ثانياً :

 وبذلك يمكن للقائمين على عملية الاستخراج نزع الذهب واستخدام الزئبق من جديد. لكن المشكلة أن الزئبق يصيب العاملين في معالجته بالتسمم، وهو ذو أثر مدمر للبيئة. ولم تكن الملغمة بالزئبق الطريقة السامة الوحيدة التي استخدمها الصينيون في رحلة تنقيبية في الجبال بإقليم هونان، عند الحدود مع بورما، شاهد جيانج منقبين عن الذهب من أوساط الحرفيين يستخدمون حمض الكبريتيك (*) - وهذه تقنية شديدة الخطورة. يقول: «مررنا بوديان صغيرة يملؤها الدخان الأبيض المنبعث عن الأبخرة الحامضية». لقد استخدم المنقبون في التلال السيانيد أيضا. إذ كان الرجال يحملون على ظهور الدراجات النارية براميل السيائيد صعودا في الطرق الجبلية غير المرصوفة. وأنشأ المنقبون فتحات ترشيح عند مصب النهر من مواد الحفر وسكبوا فيها السيانيد وهكذا تسرب السيانيد وسمم البشر وقتل أعدادا كبيرة من الماشية. تراجعت الحكومة الصينية في العام 1988 عن سياسة حرية التنقيب (27). وأصبح الذهب معدنا ذا وضع خاص تحت حماية الحكومة. لكن المارد لن يعود إلى المصباح. بالنسبة إلى عديد من الصينيين، ترسخت الفكرة القائلة بأن الذهب وحده سيحررهم من الفقر المدقع في العام 1989 عرضت صحيفة كريستشيان ساينس مونیتور Christian Science Monitor خبرا عن النهاية المؤسفة لمغامرة أقدم عليها مزارع اسمه ما Ma وكان قد انطلق في أحد أيام مارس سعيا وراء الثروة في حقول الذهب بإقليم تشينغهاي (28). «استأجر ما اثني عشر رجلا، وأنفق مدخراته جميعها على شراء الأرفاش والخيام والطعام وشاحنة، وترك لزوجته مسؤولية الاعتناء بمحصوله من الشعير الذي قارب النضج». وخرج الرجال من قريتهم وعبروا جبال الشمس والقمر Sun and Moon Mountains واندفعوا غربا عبر السهل الأعلى في تشينغهاي. كان ما وفريقه يتبعون طريق قوافل المنقبين والحفارين غير القانونيين الباحثين عن الذهب الذين تجاهلوا الحظر المفروض على التنقيب الخاص. كان إغراء الذهب قويا جدا بحيث تعذرت ،مقاومته وقد دفعتهم وعود الثراء السريع في خضم الفورة الصفراء المجنونة » Yellow Rush وحكاياها عن الذين أصابوا ثراء فاحشا بلمح البصر، إلى الأصقاع النائية من الإقليم. كما خرج المسؤولون المحليون على هذا القانون فساعدوا المنقبين وحصلوا على رشى و «رسوم» عظيمة.



ثالثاً :

 ويروى أن مجموعة من المسؤولين المحليين في مدينة جولمد Golmud الواقعة في مركز إقليم تشينغهاي (*) حققت 270 ألف دولار من بيع تراخيص التنقيب الوهمية. وانحدر ما وفريقه عبر السهب يملأهم العزم والإصرار. وقطعوا مسافة ألف . ميل تقريبا عبر الطرقات الوعرة التي تفضي إلى بلاد الذهب. وهطل المطر وعصفت الثلوج وتحول الطريق إلى أرض طينية. والتقوا بغيرهم من الساعين وراء الذهب العالقين في حماة الطين الجاذب (*). وعلق أكثر من ثمانية آلاف رجل وألف شاحنة في شرك هذه الحالة المضطربة التي تبعث على اليأس. وصلوا إلى ارتفاع 16500 قدم وقد باتت منصة الذهب Gold Platform على بحيرة هو جيل Hoh il Lake في نطاق رؤيتهم، وعندئذ نفدت مؤونة الطعام. وتناهت أنباء الكارثة إلى علم السلطات، وحاول الجيش إلقاء الطعام من الجو. لكن تعذر على الطيارين العثور على المنقبين الذين تقطعت بهم السبل، وقد حجبت الغيوم الكثيفة الرؤية الجوية. وقضى أكثر من سبعين رجلا في المعبر المتجمد. وأخيرا تمكن الجيش من الوصول إلى المنقبين باستخدام الحوامات، وجلب (*) تشينغهاي Qinghai هي مقاطعة صينية تقع في الغرب الأوسط من البلاد وهي غير شنغهاي Shanghai كبري مدن الصين من حيث عدد السكان، وعاصمة البلاد الاقتصادية المترجم]. (*) الذي يجذب من يخوض فيه إلى الأسفل، فيعرقل تقدمه.

ذاء وطلب من ما والآخرين ترك القافلة المنكوبة ومغادرة المنطقة سيرا على الأقدام. لكن الكارثة التي وقعت في تشينغهاي لم تحل دون استمرار أعمال التنقيب عن الذهب محدودة النطاق. فقد استفحلت حمى التنقيب. إضافة إلى ذلك، كان التنقيب على نطاق محدود تقليدا قديما جدا. واعترافا منها بهذا النوع من التنقيب وجدت الحكومة طريقة لغض النظر عن أنشطة التنقيب المحدودة، وذلك بموجب قانون غير مكتوب، بيد أنه معروف على نطاق واسع، يعرف بـ «حماية الطابع » Localistic Protection - وهو مفهوم ماوي Moist كانت غايته مراعاة المحلي».



رابعاً :

 التقاليد الشعبية للسكان. كان السكان يدركون أن ثمة فرصة سانحة في ضوء سريان مثل هذا القانون في إقليم هينان Henan استغل 178 فريقا للتنقيب محدود النطاق الغطاء الذي وفره قانون حماية الطابع المحلي لوضع اليد على الأراضي المجاورة للمناجم التي تعود ملكيتها للدولة (29). وتجرأ بعضهم على اقتحام المناجم، وجمعوا الفلز عند فتحاتها. وفي حادثة وقعت في منجم وينيو Wenyu جمع الناس الذين حملوا الفلز على ظهورهم كميات كبيرة جدا من الفلز بحيث اضطروا إلى أخذ الشاحنات عنوة لنقل تلك الكميات (3). وقد عمل مدير المنجم الذي حرص على إخفاء عجزه أمام جولة تفتيشية حكومية وشيكة على الاتفاق مع القائمين بأعمال النهب على هدنة من ثلاثة أيام تعلق فيها أعمال النهب فيما يرافق مدير المنجم الوفد الحكومي الزائر في الجولة التفتيشية وقد عمل المنقبون غير المحترفين (*) على تنظيم أنفسهم في تعاونيات ريفية عبر نظام يعرف بـ مين كاي Min Cai، أو ما يعرف بالتنقيب القروي Village Mining. لا بل إن كبرى الشركات الحكومية استخدمت نظام مين كاي لاستخراج الفلز صعب المنال (1)، فعمدت ذات مرة إلى ربط المنقبين بالحبال وإنزالهم مسافة 120 قدما من خلال مهابط المنجم. وفي إقليم شانجدونج وفر نظام مين كاي مصدرا مهما للدخل. لكن في العام 2001، في تحول آخر لمزاج الحكومة المركزية (32)، ألغت (*) وهم المنقبون غير المتفرغين أي الذين يتخذون التنقيب مصدراً إضافيا للدخل، لا مهنة أساسية.

خامساً :

الدولة هذا النظام، وأعلنت أن 295 منجما و138 منشأة استخراجية تعتبر غير قانونية في إقليم شانجدونج وحده. وطلبت الحكومة من أكثر من سبعة آلاف عامل قدموا من الأنحاء الأخرى في الصين مغادرة الإقليم. لم تعد مثل هذه الأنشطة التنقيبية صغيرة النطاق قائمة على الأرض رسميا، فقد عهد بأعمال استخراج الذهب إلى الأجهزة الصناعية. لا تنطلي هذه القصة التخيلية على أحد، وإن بأبسط عمليات التمحيص مع انتقالنا بالسيارة عبر حقول الذهب في شانجدونج، الححت على فينج تاو أن يطلب من بانج مين أخذنا لمشاهدة أعمال الاستخراج محدودة النطاق. أخيرا، رفعت يديها إلى الأعلى، وخرجت من الطريق الرئيسي السريع، واتخذت طريقا ضيقا عبر الحقول والبساتين إلى أن بلغنا هضاب الكوارتز ( المرو). لقد انتهى بنا الطريق إلى منجم ذهب متوسط الحجم، وظننت أن جهود فينج تاو ذهبت سدى بعد الصعوبات التي كابدها في فهم اللهجة المحلية لبانج مين لهجة إقليم شانجدونج، غير أننا عندئذ شاهدنا المنجم، في حقل لا يبعد مائة ياردة عن بوابة المنجم الحديث واندفع البخار من البنية السفلية الصدئة المتقادمة للرافعة الأسطوانية التي ارتفعت فوق سياج متماوج الشكل نصب لحجبها عن النظر. كان حجم سحابة البخار المتصاعد وكثافته مؤشرين إلى عمق المنجم. إذ ترتفع حرارة الصخر مع زيادة العمق، ويتطلب الأمر تيارات مائية لتبريد سطح الصخر. لقد تحول الماء إلى بخار ثم اندفع عائدا على امتداد سرب التنقيب صعودا المهابط، وعلى مسافة ميل شاهدنا عمودا من البخار الأبيض يندفع صاعدا عبر عبر برج الحفر المتداعي، وكان هذا ينم عن وجود مهبط ثان. إن مصدر العداء الرسمي لأعمال التنقيب الصغيرة يتمثل، من جملة أمور أخرى، في الدور الذي تؤديه تلك الأعمال في توفير الغطاء لسرقة الفلز من المناجم المحيطة ولا تعتبر حمولة شاحنة الفلز التي تضبط في حيازة المنقبين عن الذهب مهما كانت صغيرة دليلا على السرقة لأن مثل هؤلاء المنقبين يشحنون الفلز إلى محطات التكرير بدلا من القيام بأعمال التكرير بأنفسهم.