تطوير المناجم الصينية

 

أولاً :

وقد اشترطت هذه الرخصة الصادرة في بكين تقديم بيانات محاسبية منتظمة بالأموال المنفقة في أعمال الحفر والتنقيب. يقول ماك ألينان «تجاوزنا الاشتراطات الدنيا. لقد حفرنا سابقا 40 ألف متر. وكنا أجرينا دراسات بيئية وجيوتقنية. وقد حققنا تقدما في المشروع على عدة جبهات معا. ووضعنا سيناريوهين: الأول إنشاء محطة لمعالجة 30 ألف طن يوميا، والآخر لمعالجة 50 ألف طن يوميا. كنا ندعو ذلك أكبر جيوب الذهب غير المستغلة في الصين، إن لم يكن في آسيا جميعها كان سعر سهم شركتنا في العرض الأولي (*) 1.25 دولار، وتجاوز الآن 4 دولارات». وفي بكين توجهت شركة ماندورو إلى وزارة موارد الأراضي، واستفسرت إن كان ثمة خطب مع رخصتها رخصة التنقيب. وكان جواب المسؤولين بالنفي، مادامت ماندورو تستطيع الحصول على رخصة العمل الرخصة التجارية. فمن دونها، وفقا للوزارة، تعدم شركة ماندورو الوجود القانوني. وللمرء أن يستنتج مآل الأمور: قناعة ماك ألينان أن السلطات ستخذلهم في نهاية المطاف والالتماسات المقدمة إلى الديبلوماسيين في بكين، ومعاملة الملحقيات التجارية ببرود وتجاهلها من قبل الوزارة وفي شبه جزيرة لياودونغ حبس موظفو الإقليم الرخصة التجارية، بناء على طلب إحدى الجهات، ومن ثم « لم تمتلك» شركة ماندورو ترخيصا لاستغلال قطعة الأرض، وكذلك لم تكن طرفا في مشروع مشترك لهذا الغرض.



ثانياً :

العرض الأولي أو الطرح الأولي Initial offering طرح أسهم الشركة للبيع لأول مرة في السوق الأولية).

وترك ماك ألينان الشركة في نهاية العام 2006 بعد عام من المحاولات العقيمة للإبقاء على رخصة ماندورو. وبعد خمس سنوات تدبرت الشركة استرداد 13.5 مليون دولار، وهو المبلغ الذي جمعته من المكتتبين في العرض الأولي للأسهم. وبدلا من نسبة 79 في المائة من الأرباح، خفضت النسبة إلى 5 في المائة (11). . يقول ماك الينان «لو كان ذلك جيبا من الزنك - الرصاص، لما اعترضتنا أي مشكلات لكن القيادة السياسية قررت أنها تريد الاحتفاظ بالذهب لنفسها، إذ كان الذهب يعتبر موردا وطنيا. كان ذلك أكبر جيوب الذهب في الصين، ولم يقبل الصينيون أن يكون تحت سيطرة مشروع مشترك يتحكم فيه الأجانب. أعتقد أن جيبا فلزيا كانت التوقعات تقدر احتواءه على تسعة ملايين أوقية، سينتج 18 مليون أوقية في الواقع ذلك أنه أغنى جيوب الذهب في الصين. لقد عثرنا عليه، لقد حصرناه، لكنهم لن يسمحوا لنا بالاحتفاظ به». في ما ولينغ حققت الصين مكسبين منجم الذهب والمهارات التي اشتغلت في تطويره. كانت الصين تتصدر المشهد في حين راح شركاؤها ينقبون عن جيوب الذهب. وأعتقد أن من المنصف القول إنها ارتأت استخراجه من ذلك الموقع باستخدام جملة من المهارات المتوافرة لديها - جهود طبقة بيروقراطية يتعذر اختراقها في فورة الذهب الصينية آنذاك عادت معظم الشركات الغربية أدراجها بخفي حنين. أما توكسيك بوب Toxic Bob فلم يكن هذا حاله. عندما اتخذت الصين قرارا في العام 1993 لتشجيع تطوير المناجم، سمح للشركات الصينية مهما كان مجال عملها الأساسي، بأن تنقب عما تشاء من المعادن (3). وفي العام 1995 استخرجت المؤسسة النووية الوطنية الصينية بعض الفلز من منصة حفر وحيدة كانت قائمة في منغوليا الداخلية في منطقة تشانغ شان ها و كانت المؤسسة النووية الصينية تعلم بوجود الذهب في المنطقة لأن المنقبين الفلاحين كانوا يصيبون شيئا من الذهب يعتاشون عليه. نقبت الشركة في إحدى الحفر، وأنشأت ثلاث أكوام اختبارية من الفلز، ورشّت عليها السيانيد لمدة اثنين وثلاثين يوما، ثم استخرجت 65 في المائة من محتوى الذهب الذي قدرت وجوده ثم مضت تبحث عن شريك غربي رفضت أولى شركتين عاينتا الموقع المشاركة. 


ثالثاً :

ثم لفت ذلك انتباه روبرت فريد لاند Robert Friedland) وهو ملياردير أمريكي من أقطاب صناعة المعادن اشتهر بلقب توكسيك بوب Toxic Bob بعد حادثة تسرب السيانيد والمعادن الثقيلة في العام 1991 في منجم شركته بسميتفيل Summitville كولورادو. لقد حققت تقنيات السيانيد في سميتفيل عوائد مربحة من الذهب المستخلص من الفلز منخفض التركيز . وقد وفر منجم تشانغ شان ها و فرصة مماثلة، وفي مايو 2002، ومن خلال شركة صغيرة مسجلة في تورنتو تحت اسم جینشان جولد ماینز Jinshan Gold Mines اشتری فريد لاند قطعة الأرض. يقول ج. د. جيانغ Diang ، المدير العام للمنجم، وهو جيولوجي مغمور وكان العقل المدبر لمنجم تشانغ شانهاو كان لايزال يعمل في الموقع مائة منقب من الحرفيين. وكانت الفوضى سيدة الموقف». لكن فريدلاند وضع يده على المنجم بطبيعة الحال، واستأجر خدمات جيانغ في العام 2002 أنشأ جيانغ كومتين اختباريتين وزن الواحدة خمسون طنا. وأجرى التجارب بتهشيم الفلز إلى مسحوق دقيق خلاف ما كانت تفعله الشركة النووية الصينية في السابق وأعد دراسة الجدوى الاقتصادية وفي فبراير 2007 أتم بناء محطة استخراجية قادرة على معالجة 20 ألف طن من الفلز يوميا. وقد جعلوا الفلز في أكوام، ورشحوا الذهب باستخدام السيانيد، ووجهوا المحلول الحامل للفلز إلى أحواض تحوي الكربون السائل وانتزعوا الذهب. وفي يوليو صبوا أول سبيكة بوزن 500 أوقية. كانت هناك مناجم أخرى تصب السبائك أيضا. وبعد عام، في 2008(*)، تفوقت الصين على جنوب أفريقيا وحلت في المركز الأول عالميا في إنتاج الذهب. في العام الذي تقدمت فيه الصين إلى المركز الأول أبطلت سياسة التنقيب عن المعادن المتبعة سابقا، واستبدلتها بأخرى وأصبح الذهب سلعة (16) مقيدة، حيث صار الصينيون يفضلون التنقيب عنه بأنفسهم. كان فريدلاند يسعى وراء الأرباح بطبيعة الحال؛ لأجل استرداد الأموال التي أنفقها في بحثه عن الذهب والنحاس في أويو تولجوي Ou Togo عبر الحدود مع منغوليا (17). وفي مايو 2008 باع حصته في منجم تشانغ شان ها و إلى مجموعة الذهب الوطنية الصينية المملوكة من الدولة مقابل مبلغ 200 مليون دولار واعتبر فريدلاند علاقته بمجموعة الذهب فقد حافظوا الوطنية «استراتيجية». 


رابعاً :

كانت كذلك بالتأكيد بالنسبة إلى الصينيين (18) ، على علاقاتهم مع الرجل الذي كان يطور أكبر مشروعات التنقيب عن المعادن في العالم، أويو تولجوي وفي نهاية المطاف أزاحه شريكه في المشروع المشترك في منغوليا الشركة العملاقة ريو تنتو Rio Tinto PLC عن مجلس الإدارة، ولم يأبه الصينيون لذلك. إذ بلغت حصتهم في ريو نحو 10 في المائة أيضا. كان منجم تشانغ شان ها و للوهلة الأولى، مغنما مشكوكا في قيمته - كان عبارة عن حفرة متواضعة ذات تركيز فلزي منخفض وبالكاد تحقق أمثالها في معظم أرجاء العالم ربحا لكن إذا كان الفلز نتاج الحسابات الرياضية فإن تلك الحسابات كانت صائبة في منغوليا الداخلية. كان الإقليم يضم أكبر جيوب الفحم في العالم. وبفضل توافر الفحم كانت تكلفة إنتاج الطاقة في الإقليم منخفضة. وقد ساعد انخفاض تكاليف الطاقة على خفض إنتاج الفولاذ. وهكذا ساعد انخفاض تكاليف الطاقة والفولاذ واليد العاملة على جعل منجم تشانغ شان ها و مجديا من الناحية الاقتصادية. *** لقد جلبت احتياطيات الفحم الهائلة في منغوليا الداخلية الثراء الواسع إلى الإقليم فظهرت أعداد كبيرة من أصحاب الملايين (19) . 



خامساً :

وفي قائمة نشرتها في العام 2012 والتي ضمت مليون مليونير صيني (وهم الأشخاص الذين تجاوزت قيمة صافي أصولهم عشرة ملايين رينمينبي أو 1.6 مليون دولار قدرت صحيفة بيزنس ريفيو ويكلي Business Review Weekly الأسترالية العدد الكلي في منغوليا بـ 13500 شخص. ويبدو أن العديد منهم نزل في الفندق حيث كنت أقيم في أثناء زيارتي إلى المدينة الصناعية باوتو Baoto. كان المنهل (*) الواقع في الطابق الأرضي يتلألأ ببريق ساعات رولكس الذهبية. وكانت النساء يخطرن عبر الردهة الرخامية بأحذيتهن ذات الكعب العالي، وقد حملن في أيديهن أكياس التسوق من المتاجر الفاخرة المجاورة. وفي الخارج مرت سيارة ماساراتي حمراء متألقة وسط صفوف السيارات الرياضية السوداء اللامعة. ووقف فصيل من السائقين متبلدي الوجوه يرتدون نظارات عاكسة، فيما كانوا ينتظرون أرباب عملهم. وجاءت سيارة لاند كروزر - تويوتا بيضاء مغبرة تصعد هادرة عبر الطريق وتوقفت بالقرب مني. ركبت السيارة وانطلقنا مسرعين نحو تشانغ شان هاو. يصعد الطريق شمال باوتو نحو جبال برتقالية اللون. ويمكن للمرء من فوق المرتفعات أن يشاهد الضباب السديمي المائل إلى الخضرة الذي يغطي الحقول بمحاذاة النهر الأصفر.