اكتشاف الذهب الخفي

أولاً :

ثمة بحر من الذهب الجديد بانتظار من يكشف اللثام عنه، ومع ذلك لم تحدث فورة الذهب وبينما كنت أعمل في الحقل (*)(1) كنت أفضل ارتقاء المرتفعات دائما، لأنه حينئذ يمكنني أن أجد متنفسا وأجول بنظري بعيدا عبر الوادي. رالف روبرتس، «شغف بالذهب»(**) عثر رالف روبرتس Ralph Roberts على جحر الأرنب - تلك المتاهة الواسعة المؤدية إلى بلاد العجائب (***). يربض أكبر حقول الذهب في أمريكا متواريا عن العيان تحت طبقة ثخينة من الصخر. وقد وجد رالف موضعا استطاع () المقصود حقل الذهب. 


ثانياً :

 في الأصل A Passion for Gold - وهو من أعمال المؤلف رالف روبرتس Ralph Roberts. [المترجم]. يلمح الكتاب إلى رواية أليس في بلاد العجائب» للويس كارول، حيث يفضي جحر الأرنب إلى متاهة تؤدي إلى بلاد العجائب.

عنده أن ينفذ ببصره إلى الأعماق عبر فجوة في تلك الطبقة. وفي الوقت الذي أنجز فيه اكتشافه، كان قد أحاط بصورة وافية عن الجبال. إذ جاب سلاسل جبال تاسكارورا وشوشوني وسانوما ودايموند وأنتلر على مدار سنوات عديدة. وأوقدت تلك الجبال حماسته. بالنسبة إلى الجيولوجي (*) ، تعتبر تضاريس المحيط الطبيعي مثل أجزاء مبعثرة من الكلام لا بد من إعرابها وفق موقعها من الجملة المكونة للحقبة الجيولوجية. إذ إنها تظل مجرد ركام من الصخور والرمال إلى أن توضع ضمن إطار نظرية شاملة تفسر سبب وجودها في ذلك المكان. ويجد القارئ في وصف روبرتس لحياته قدرا كبيرا من متعة البحث وطلب المعرفة، وكذلك متعة الشعور بالحرية. في تلك الرحلات إلى الجبال، لم يكن بصحبتي إلا عصافير الدوري وقبرات المروج والنهس (*) التي راحت - في الحقيقة - ترفرف من حولي لدى اقترابي من أعشاشها»(2). لقد شاهد الأيائل الأذانية (***) والطباء والنسور الذهبية. يقول: «كنت أحذر حيوانات المرموط من اقترابي بإطلاق تصفيرات حادة، كانت فئران الحقل تقفز هاربة من تحت قدمي. بالكاد رأيت إنسانا، إلا في المزارع عند سفوح التلال، وكان هذا أمرا حسنا؛ ذلك أنني لم أشأ أن يرافقني أحد في رحلتي لاستكناه أسرار الصخور». إن المسير على الأقدام إلى التلال التي اكتشفها روبرتس يعني الولوج إلى حيز مترامي الأطراف كالبحر، يتكون من المنحدرات ذات اللونين الخبازي(****) والصلصالي الأصفر (4) تتناثر في تلك البقعة من الأرض نباتات الصحراء الغربية الصغيرة الشوكية.


ثالثاً :

 وفي التلال شبه الجرداء يتكشف تاريخ كوكب الأرض للعين الفاحصة. كان روبرتس البالغ من العمر ثمانية وعشرين عاما مرشحا للدكتوراه في جامعة ييل Yale University عندما انضم إلى فريق الاسكتشاف التابع لهيئة المسح الجيولوجي للولايات المتحدة في شمال وسط نيفادا في العام 1939. وفي وينيموكا Winnemucca ) الجيولوجي Geologist الخبير أو الاختصاصي بعلم طبقات الأرض عالم طبقات الأرض)، المترجم). ) نوع من الطيور غليظ المنقار - بالإنجليزية Shrike أو Butcherbird خرج من الحافلة إلى لهيب شهر يوليو، وانكب أياما يتأمل في لغز وقائع نصف مليار عام خلت. كانت مهمة البعثة تحليل جيولوجيا سلسلة جبال سونوما. وفي أثناء انخراطه في أعمال الاسكتشاف أصاب روبرتس حظا موفقا. كان ثمة منجم ذهب نشيط في قلب نهر ويلو كريك Willow Creek ، حيث منطقة عمله ). هذا المنجم سيوفر له الفرصة لمعاينة البنية الجيولوجية التي كان يحاول إماطة اللثام عنها. (5) بدأت أعمال التنقيب في نيفادا منذ عهد بعيد ) . فقيل 13 ألف عام كان هنود حضارة كلوفيس Clavis ينقبون بحثا عن طبقات (جيوب) السّبَج (الأبسيدان) (*) والأوبال الأرجواني والعقيق الأبيض الخلقيدوني) والعقيق واليشب والمرو (الكوارتز). لقد صنعوا رؤوس الرماح والأسهم وأدوات سلخ جلود الحيوانات. وما بين نحو العامين 300 بعد الميلاد و 1200 بعد الميلاد نقب شعب الأناسازي Anasazi بحثا عن الفيروز قرب مدينة بولدر سيتي Boulder City الحالية. ولعل المستكشفين الإسبان عبروا الحد الجنوبي للولاية في العام 1776 بحثا عن الذهب والفضة والفيروز ويرجح سكان أمريكا الأصليين علموا بوجود الذهب في سلسلة جبال سييرا The Sierra. أن وهناك روايات تحدثت عن قيامهم بإطلاع البيض على أماكن البحث والتنقيب. ووقعت أولى عمليات الاستكشاف المسجلة في العام 1849 حين خيمت مجموعة من المورمون، وكانت في طريقها إلى كاليفورنيا للمشاركة في حمى الذهب (**)، عند نهر کارسون Carson River بانتظار ذوبان الثلوج في الممرات الجبلية. وباستخدام الأوعية قاموا بشطف الأتربة والحصى عند قيعان الجداول بحثا عن الذهب وعثروا عليه.


رابعاً :

 وواصلوا طريقهم غربا في الربيع لكن وادي (***) الذهب Gold Canyon، وهو الاسم الذي صار الموقع يشتهر به استقطب المزيد من المنقبين. وحتى العام 1857 اندفعت موجات متتالية من الباحثين عن الذهب إلى منبع النهر، وقد وجدوه دائما. واجتذب اكتشاف ثان إلى الشمال في وادي سيكس مايل Six Mile المزيد من الباحثين عن الذهب إلى سفوح التلال. وأخيرا استطاعوا تحديد () زجاج بركاني داكن اللون. [المترجم). (**) فورة أو حمى الذهب Gold Rush هي الواقعة التاريخية التي شهدت تهافت الجموع على التنقيب عن الذهب. بدأت حمى الذهب في كاليفورنيا في 24 يناير 1848 مع اكتشاف جيمس مارشال الذهب في بعض مجاري مصدر الذهب في العام 1859 - كان جيبا غنيا بالذهب والفضة يقع بالقرب من مدينة فرجينيا Virginia City ، ويعرف بجيب كومستوك لود Comstock Lode الشهير. وفي الحال صارت المجازات الجبلية تعج بالرجال الذين غادروا فرجينيا بحثا عن مكامن الخام الجديدة. وتقاطر المنقبون إلى الولاية واندفعوا عبر الجبال. لقد عثروا على الذهب الرسوبي (الطموي) Placer Gold في الجداول قرب باتل ماونتين Battle Mountain وينيموكا Winnemuca. وفي الصدوع والمجاري المائية في التلال التي انصرف روبرتس إلى استكشافها، لايزال بإمكان المرء أن يشاهد المصولات (*) والسدود الحجرية والمداخل المنهارة للمسارب )) (*). ويعود منجم الذهب في ويلو كريك Willow Creek الذي أراد رالف روبرتس اكتشافه إلى أيام المخيمات المكتظة بالباحثين عن الذهب. كان المنجم ملكا لوالاس كالدر Wallace Calder وهو طبيب أسنان من وينيموكا وقد ذكر كالدر لروبرتس أنه استخرج قطعا ضخمة من منطقة الفائق (***) في المنجم، وأعد روبرتس العدة لزيارة تلك المنطقة، وأطلعه كالدر على مصدر القطع الضخمة وبعد أن فحص الصخور من كتب، استنتج روبرتس أنها حجارة مصدرها المحيط، وهي أقدم من الصخور الجائمة فوقها.


خامساً :

وفي المسار الطبيعي للتشكل الجيولوجي تصعد الصخور الجديدة من الدثار ( ) حالتها المصهورة وتترسب فوق الصخور الأقدم لكن في هذا الموضع انقلبت تلك التوضعات النسبية ولتفسير ما حدث، افترض روبرتس وجود رف قاري (4) Shelf سميك من الصخور المحيطية الأقدم اندفع إلى الأعلى وبلغ طبقة الحجر الجيري الأحدث عند الحافة الغربية من القارة(6). وفي آخر الصيف، ومع (****) في أن () المصولات جمع مصول Slice وهو حوض لغسل الأتربة والرمال الحاملة للذهب. [المترجم]. (*) المسارب : جمع سرب، وهو دهليز داخل المنجم، وكذلك يشير إلى الحفائر الأفقية. [المترجم). (***) الفالقي أو الصدع هو كسر في صخور القشرة الأرضية يقترن بحدوث انزلاق للكتل المتاخمة من طبقات الصخور على الجانبين نتيجة الضغط الشديد الذي تحدثه حركات القشرة الأرضية سواء الشاقولية أو الأفقية.

صياغة نظرية حول منطقة وجود الذهب ستستغرق منه عدة سنوات، تكون في ذهنه آنذاك جانبان من تلك النظرية : أولا ، دفعت الصخور المحيطية الأقدم عمرا نحو الأعلى عند طبقة الصخور الأحدث القائمة على شاطئ البحر الذي تشكل في الأزمنة القديمة؛ وثانيا، أن الذهب أخذ مكانه داخل المنطقة التي حدثت فيها عملية الدسر (*) وأسفلها. ويفسر الجيولوجيون اليوم عملية الدسر بأنها نتاج التصادم التكتوني (الصفائحي) (*) (على مستوى أديم (الأرض حيث تهشمت صفيحتان من قشرة الأرض بفعل التصادم في الماضي الجيولوجي (***). غير أن نظرية الصفائح لم تظهر قبل عقد الخمسينيات من القرن العشرين. وفي العام 1939، عندما شرع روبرتس في أعماله الاستكشافية (7)، كان أهم مرجع يتناول جيولوجيا المنطقة عبارة عن تقرير يعود إلى القرن التاسع عشر ويعرف بمسح دائرة العرض الأربعين Fortieth Parallel Survey