أسياد الذهب

 

أولاً :

وبالتواطؤ مع جهات تعمل داخل المنجم يقوم اللصوص بالسرقة من أحد المناجم والبيع لمنجم آخر. لا بل ربما يبيعون الفلز للمنجم الذي سرقوه منه. وقد يفضل المنجم، إذا كان السعر مناسباء أن يشتري الذهب المسروق نفسه بدلا من فقدانه برمته. وفي شانجدونج لن يكون بيع مثل هذا الفلز المسروق حيث يوجد الكثير من الباعة، أمرا صعبا. همة في مدينة جاويوان وحدها ست محطات تكرير كبرى، لكن بانج مين كانت تعلم أني مهتم بأعمال التنقيب صغيرة النطاق التي يزاولها غير المحترفين. بعد أن استطلعنا التلال قفلنا عائدين إلى المدينة وتوقفنا عند إحدى محطات التكرير الصناعية. وتحدثت بانج مين إلى الحراس ريثما خرج إلينا شاب، وصعد المقعد الخلفي من السيارة إلى جانب فينج تاو. وانطلقنا إلى وجهتنا ثم اندفعنا عبر الشوارع المزدحمة في استعراض حماسي آخر لمهارات بانج مين في قيادة المركبة. وأخيرا سرنا بسرعة عبر أحمد الجسور باتجاه ضاحية من المدينة. سألت فينج: «ما الأمر؟»، وأجاب: «لا أعرف. لا أستطيع أن أفهم كلمة واحدة». خرجنا من شارع عريض ومضينا صعودا في مجاز موحل إلى أن وصلنا إلى جدار آجري متهدم ارتفاعه عشر أقدام. على الجانب الآخر كانت ثمة كومة عملاقة من مخلفات المناجم، وكانت ذات لون أصفر مائل إلى الرمادي.



ثانياً :

 إلى تنقلنا عبر البوابات الصدئة، وتوقفنا عند مسكن صغير آيل للسقوط. خرج بعض الرجال بسراويلهم القصيرة وقمصانهم قصيرة الأكمام ونعالهم البلاستيكية، وتحدث إليهم دليلنا الجديد ترجلنا أنا وفينج وألقينا نظرة حولنا. كانت تلك محطة لتركيز Concentration Mill الفلز كان الفلز المستخرج من المناجم الصغيرة الواقعة في التلال، أو الفلز المسروق من المناجم الكبيرة، ينقل إلى هنا بواسطة الشاحنات ليسحق بحجر الرحى، ويتم تكريره للحصول على فلز مركز في أحواض التعويم في عملية التعويم يضيف عامل التكرير سائلا بنيا غامقا زيتي القوام نفاذ الرائحة إلى ردغة (*) من الفلز المسحوق. تجتذب المادة الكيميائية الكبريتيد الحامل للفلز إلى الزبد المتشكل على سطح الحوض، ويجمعه العمال في حالته المركزة، ثم يبيعونه إلى المصاهر الصناعية التي تعمل على التخلص من خبثه بحرقه في أفران ضخمة. لقد باتت الصين أكبر منتج للذهب في العالم لأنها تحولت جميعها، إلى منظومة فعالة لاستخراج الذهب من الأرض. تعتبر الهيكلية الصناعية لعملية التنقيب عن الذهب جزءا من هذه المنظومة. ويتمثل الجزء الآخر في الجموع الجشعة التي أطلقتها الحكومة من قمقمها في العام 1978 بعد أن شجعتها على البحث عن الذهب، وقد تعذر عليها إعادتها إلى ذلك القمقم. إذ عندما أجبر المسير الطويل المضني بعض تلك الحشود على الاستسلام والتخلي عن سعيها للوصول إلى منصة الذهب Gold Platform في تشينغهاي في العام 1989 كان ثمة الآلاف أيضا ممن هم مستعدون ليأخذوا مكانهم. في العام 1995 كان لايزال «أسياد الذهب» وعصاباتهم من المنقبين المهنيين يتحدون الحكومة ويتصارعون فيما بينهم (39) . لقد أخبرت امرأة أربعينية أحد المراسلين الصحافيين: سمعت الرصاص يئز قريبا من أذني، ورأيت الناس قربي يلقون حتفهم. 



ثالثاً :

إذا أرادت الحكومة وضعنا تحت السيطرة، فإننا أكثر منها قوة في الوقت الراهن، وإن بنادقنا أفضل بطبيعة الحال من البنادق التي تحملها [الشرطة]». لقد حارب أسياد الذهب من أجل الحصول على أفضل الأراضي الصالحة للتنقيب. وقد قال أحدهم: إن أول ما سنفعله عندما نكتشف الذهب إقامة نقطة محصنة على قمة الجبل وتدريب المزيد من عمالنا على استخدام البنادق؛ ثم إننا سنحيك من أغطيتنا علما، هذا العلم معناه أن هذا الجبل ملك لنا». خاضت العصابات المتنافسة معارك بالمسدسات والأسلحة الأوتوماتيكية لا بل أيضا بالمدافع محلية الصنع. لقد قلبت تلك العصابات الأرض في أعمال التنقيب، وجرفت التربة الناتجة عن أعمال الحفر إلى الأنهار، وبذلك عرضت للخطر المحيط الحيوي لحيوانات نادرة من النمور المرقطة الثلجية والغزلان بيض الشفاه. وفي العام 2012 حارب البدو الرحل التبتيون في تشينغهاي المنقبين الصينيين للحيلولة دون قيامهم بالحفر في الجبل المقدس لدى سكان التبت (34). لا يبدو أن ثمة شيئا يحول دون تجريد الصين من ذهبها يوم استقللت السيارة إلى خارج مدينة يانتاي عبر البساتين لأعاين إحدى ذات حفر المناجم في منطقة تضاريسية تسمى حوض جياو لي Jiao Lai. كانت الشاحنات ذات الحمولة الزائدة ومحاور العجلات ذات الصرير تلهث صاعدة المرتفع انطلاقا من مستوى أعمال التنقيب. كانت حفرة المنجم في فوضى عارمة، وقد تخددت منحدراتها بفعل كسرات الحصى. وكان السياج منكفئا على الأرض المحيطة. وقد نهب المنقبون غير القانونيين، باعتراف مدير المنجم الموقع وحوض جياو لي برمته بلا هوادة. وعند مستوى التكاليف السائدة، خلق المنجم بفلزه منخفض التركيز وعمليات النهب الجارية من حوله الذريعة الناجعة لتبرير أعمال استخراج الذهب وذلك في طول الصين ،وعرضها إذا جاز التعبير.



رابعاً :

 لكن هذا يطرح السؤال الآتي: في ضوء هذا التنقيب المحموم، كم بقي من الذهب؟ حذر مجلس الذهب العالمي في العام 2010 من أن «فرص الصين المستقبلية في إيجاد مصادر جديدة للذهب تبدو محدودة» (3) . هذا المجلس مؤسسة بحثية وتسويقية تديرها صناعة التنقيب عن الذهب. وباستخدام البيانات المتاحة في تقرير المسح الجيولوجي للولايات المتحدة أشار مجلس الذهب العالمي إلى أن «الصين قد تستنفد مناجم الذهب الحالية في ست سنوات إذا استمر الطلب الصيني بالنمو بمعدلات مرتفعة». 



خامساً :

بالنسبة إلى جميع الأطراف العاملة في قطاع الذهب، باستثناء المنقبين الصينيين، ينطوي ذلك على أخبار سارة. هل سينفد ما لدى الصين من ذهب؟ لنا أن نتصور أثر ذلك في السعر. إن سيناريو نفاد مخزون الذهب الصيني يطلق بعبع وصول إنتاج الذهب إلى ذروته» (36) ، ويجسد حكاية ما قبل النوم المفزعة التي يحب منتجو الذهب قصها. ويعبر ذهب الذروة عن المستوى النظري لأقصى ما يمكن استخراجه من الذهب في العالم أجمع، وما بعد هذا المستوى يبدأ الانحدار بصورة مطردة مع تقلص الإنتاج، وصولا إلى آخر أوقية عندئذ تنفد احتياطيات الذهب المتاحة للتنقيب. لا أعلم ما كمية الذهب الموجودة لدى الصين تحت الأرض، ولا يعلم ذلك مجلس الذهب العالمي وحدهم الصينيون يعلمون ذلك. لكن إن صدرت عنهم مؤشرات نفاد الذهب، عندئذ سيرتفع سعر الذهب إلى مستويات عالية جدا. وحينئذ سيغيب المنطق البشري.