أكبر جيوب الذهب في الصين

 مع ذلك أصر ليفرمور على المضي قدما، وكان عزاؤه شغفه بالأرض، حتى إن خیبت آماله واعترف قائلا: «أشعر بالوحدة أحيانا، وأنا أعيش في هذه الحجرات في الفنادق الطرقية (الموتيلات)، وأقضي سحابة اليوم بمفردي إني لأسأل نفسي عن سبب بحثي عن الذهب. إنه ليس سعيا وراء الثراء جميل أن يكسب المرء المال، ولكن هذا ليس سبب بحثي عن الذهب في حقيقة الأمر. لا أدري، لعله كان من قبيل حب الاكتشاف ولو تسنى لي العثور على ذلك الذهب، عندئذ ستكون أموري جميعها على ما يرام. قد يكون السبب هذا اللغز الذي لا قرار له وأحيانا - لا أدري - لعله يبدو أعظم شأنا مما هو في الواقع» (26). لم يكن سعر الذهب مرتفعا آنذاك، كانت الأوقية تباع بـ 35 دولارا. وكان أكبر المناجم في الولايات المتحدة حينئذ هو منجم هو مستيك Homestake Mine في ليد Lead ساوث داکوتا داكوتا الجنوبية - على عمق ثمانية آلاف قدم، وكان يعتبر أعمق مناجم أمريكا عندما أغلق في العام 2002. لقد أنتج منجم هومستيك 40 مليون أوقية طوال فترة تشغيله - وكان العاملون في المنجم على يقين بأنه لم تتبق جيوب كبيرة في الولايات المتحدة ليصار إلى اكتشافها. ولو كان اكتشاف مناجم جديدة ممكنا فلن يعثر عليها في شمال - وسط نيفادا، وقد قلبت تلك المنطقة ونُخلت نخلا لمائة سنة خلت . ومع ذلك، وجد ليفرمور الذهب فيها، لا جيوبا وإنما بحر من الذهب. وعندما شاهد بحث روبرتس مع رسم بسيط يوضح مخطط انتشار المناجم وهي المناجم التي كانت تستخرج الذهب من خلال مناطق النوافذ - علق ليفرمور بالقول: «أثار ذلك اهتمامي لأني وجدت حينذاك نموذجا منطقيا أسير عليه في محاولة اكتشاف بعض تلك الجيوب وأعتقد أن ثمة احتمالا مقبولا بوجودها. ويحتمل أن القدماء أخطأوا السبيل إليها بسبب هذا الذهب الغباري (الدقيق)، أما الآن وبوجود هذه النظرية، ربما كان هذا الطريق الأفضل للبحث عن تلك الجيوب.

جرد وضع الخرائط والتنقيب بعناية وتركيز في دسر جبل روبرتس، نستطيع العثور على المزيد من هذه الجيوب» (27). وباستخدام أدوات لا تتعدى المطارق وأكياس القنب لجمع العينات شرع ليفرمور ومساعد له بالبحث على امتداد الدسر. وأرسلا العينات إلى هاري تريويك Harry Treweek وهو خبير في المعايرة كان يسكن مع زوجته في كوخ منعزل بوادي كريسنت Crescent Valley. يسخن خبراء المعايرة الفلز باستخدام مواد كيميائية تعرف بالمواد المساعدة على الصهر ) . هذه المواد تندمج في كل شيء إلا الذهب، الذي ينتبذ خارج المزيج، بحيث يمكن وزنه، وينسب وزنه إلى وزن الفلز المعاير، سواء بعدد الأوقيات أو الجرامات في الطن الواحد - وهذا هو العيار (درجة جودة الذهب (Grade). وذكر ليفرمور عن خبير المعايرة الذي استخدمه: «لقد وثقنا به، لأن تلك العينات التي أخذناها كانت عينات ذات عيار منخفض جدا، وقد أردنا التأكد من أن القيم التي أوردها كانت صحيحة، وليست مجرد قيم تقديرية». قد يبدو اكتشاف ليفرمور بسيطا إذ أخبره روبرتس بالمكان الذي يتعين عليه البحث فيه، وما تبقى فكان سهلا. لكن النوافذ Windows التي وفرت منافذ إلى الحجر الجيري، حيث يحتمل وجود الذهب، كانت تتناثر على مساحة خمسة آلاف ميل مربع. ووفقا لتقدير ليفرمور، فقد مسح ما يعادل ميلا في اليوم الواحد. وبالنسبة إلى رجلين ينزلان في فندق طرقي بكارلين Carlin، وبمساعدة أدوات لا تتعدى مطارق الصخر وخريطة كان الاستكشاف عملا مرهقا. بعد ذلك ذهب ليفرمور لزيارة هاري بيشوب Harry Bishop مدیر منجم جولد ایکرز Gold Acres حيث سبق لروبرتس أن عاين الفلز الذي احتوى على الذهب الخفي) . (28) واستفسر ليفرمور من بيشوب عن المكان الذي سيجري البحث فيه بنفسه، إذ كان أمامه دسر جبال روبرتس بكاملها للبحث فيها. وأبلغهم بيشوب أنه سيبدأ أعمال البحث من شمال كارلين حيث عثر المنقبون على الذهب في منجم الفيروز المعروف باسم بلو ستار Blue Star.

 


 أولاً :

كان ذلك أكبر جيوب الذهب في الصين، ولم يقبل الصينيون أن يكون تحت سيطرة مشروع مشترك يتحكم فيه الأجانب. إنه أغنى جيوب الذهب في الصين. لقد عثرنا عليه لقد حصرناه، بيد أنهم لن يسمحوا لنا بالاحتفاظ به. كولن ماك ألينان (*) عملت الصين في العام 1993، بهدف أعمال التنقيب وتوسيع احتياطياتها تشجيح من الذهب على تخفيف الضوابط، وفتحت الباب أمام المنقبين الأجانب ). وسمحت للشركات التي تملكها الدولة بجمع الأموال لأغراض التنقيب من خلال إصدار الأسهم وطرحها للمستثمرين من القطاع الخاص.



ثانياً :

كان من بين كبرى شركات التنقيب الأجنبية التي أفادت من هذه الفرصة شركة بلایسر دوم Placer Dome Inc. وهي شركة تنقيب دولية مقرها فانكوفر كانت بلايسر دوم تزاول النشاط التجاري في الصين منذ ستينيات القرن العشرين حيث عملت على توريد النحاس والموليبدينوم ( ) لمصلحة المؤسسة النووية الوطنية الصينية. وفي العام 1997، وظفت الشركة من خلال الشركة التابعة لها في أستراليا، جيولوجيين صينيين، وأسست بلايسر دوم «فرع الصين»، وبدأت أعمال التنقيب عن الذهب. كانت الصين تصنف الخامسة عالميا في إنتاج الذهب في العام 21997). وقد مثلت وكان لايزال معظمها غير مكتشف (**) وفقا للمعايير الغربية، فرصة واعدة. ولم تخفف الدولة قيودها فقط، بل جعلت الخطة الخمسية ذات المكانة المعتبرة، وهي البيان الاقتصادي المعتاد للحكومة عملية إعادة هيكلة صناعة التنقيب هدفا أساسيا.



ثالثاً :

 لقد اعتمدت شركة بلايسر دوم خطتها الخمسية الخاصة: تدريب طاقم العمل الصيني وفقا لأعلى المعايير والتحقق من وجود مستويات عالية من «تشكيلات فلزات «المعادن» في الصين والحصول على الحق الشرعي (الترخيص) اللازم لاستغلالها ). وقد عملت الشركة على تدريب طاقم عملها، وتحققت من وجود منظومة المعادن المستهدفة، وحصلت على الترخيص اللازم في خمس سنوات. ومع اقتراب نهاية مدة الترخيص كانت الشركة قد توصلت إلى جملة من الحقائق، ومنها القائمة الآتية: - يمكن إصدار الترخيص من قبل ثلاثة مستويات مختلفة من الجهات الحكومية. - لم تكن كل المعلومات المتعلقة بالترخيص مدرجة في السجل نفسه. - كان حق الاطلاع على البيانات الجيولوجية للدولة مقيدا. - كانت المعلومات الطبوغرافية سرا من أسرار الدولة.



رابعاً :

 - لم تكن حسابات الاحتياطيات تجري وفقا لمعايير السوق الدولية. - ستكون حصة المالكين في الإيرادات «متواضعة». ) الموليبدينوم Molybdenum عنصر كيميالي فلزي ذو صفات كيميائية مشابهة لصفات الكروم عدده الذري 42 اكتشفه الفيزيائي السويدي كارل ويليام شيل.



خامساً :

في نهاية المطاف خرجت شركة بلايسر دوم خالية الوفاض، ولم تحظ إلا بترحيب مریب بنقل الخبرة إلى الصين. ووجد كولين ماك ألينان أن إسباغ ذلك الترحيب على الأجانب كان مصدر قلق للصينيين). درس ماك ألينان، وهو إيرلندي الجيولوجيا في كلية ترينيتي بدبلن Trinity College Dublin وعمل عقب تخرجه في أصقاع نائية جدا من كنداء إلى أن استقر في فانكوفر كان جيولوجيا ميدانيا متمرسا ومديرا تنفيذيا في مجال التنقيب عندما استهل رحلته الأولى إلى الصين في العام 1994 في مهمة استطلاعية بحثا عن أهداف محتملة وعاين في السنوات القليلة اللاحقة منطقة في سيشوان Szechuan يحتمل وجود الذهب فيها، وسافر إلى منغوليا الداخلية لمعاينة قطاعات من الأراضي. وفي العام 1999 زار ماك الينان مدينة داليان Dalian، وهي ميناء تجاري نشيط، لحضور أول مؤتمر دولي للتنقيب عقد في الصين. وقد حصل على الدعم من مستثمرين أمريكيين: روبرت كيوساكي Robert Kiyosaki مؤلف سلسلة الكتب التحفيزية الأكثر مبيعا «والد غني والد فقير Rich Dad Poor Dad، وفرانك كريري Frank Crerie ، وهو مموّل يتخذ من أريزونا مقرا له، كان قد أصاب الثراء من نشاطه في مجال اليورانيوم والنفط.